سوريا- أزمة خانقة، آمال معلقة، ومستقبل مرهون بالتوافقات الدولية.

المؤلف: رامي الخليفة العلي10.07.2025
سوريا- أزمة خانقة، آمال معلقة، ومستقبل مرهون بالتوافقات الدولية.

تعيش الجمهورية السورية في هذه الحقبة الزمنية أزمة إنسانية واقتصادية متفاقمة، ألقت بتبعاتها الوخيمة على شتى مناحي الحياة، إذ تشهد البلاد تدهورًا مريعًا في البنية التحتية الحيوية، وانحدارًا بالغًا في توافر الركائز الأساسية لبقاء الإنسان. تعاني القطاعات المحورية، كالصحة والتعليم والزراعة والصناعة، من حالة شلل شبه تام، مما يجعل عملية التعافي مهمة شاقة للغاية، خاصة في ظل استمرار الصعوبات السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد. وعلى الرغم من المساعي الحثيثة لإرساء دعائم الاستقرار، لا تزال سوريا تعاني من فراغ أمني مقلق، وعجز السلطة الحاكمة عن بسط نفوذها الكامل على أرجاء البلاد. فمن أقصى الشمال إلى الجنوب، ومن المدن العريقة إلى القرى المتوارية، تندلع المشكلات بصورة متواصلة، مما يضع الإدارة الجديدة أمام تحديات جسام لم تكن مهيأة لها على النحو الأمثل. وعلى امتداد السنوات المنصرمة، وتحديدًا منذ عام 2019، شهدت الساحة السورية ضربًا من التوازن العسكري والأمني، تحت رعاية قوى إقليمية ودولية، إلا أن هذا التوازن لم يكن كافيًا لإخراج سوريا من أزمتها العميقة، بل جعلها أشبه بجزر متناثرة تخضع لنفوذ قوى متعددة ومتضاربة. وفي خضم هذه التشابكات والتعقيدات، كان سقوط نظام بشار الأسد بمثابة نقطة مفصلية وتحول جوهري، ليس فقط داخل سوريا، بل في المنطقة بأسرها، حيث لا تزال ارتدادات هذا الحدث تتوالى، مثيرة تداعيات سياسية وأمنية متلاحقة. لقد كان تعيين السيد أحمد الشرع رئيسًا للمرحلة الانتقالية بمثابة الخطوة الأولى المرجوة نحو تحقيق استقرار سياسي طال انتظاره. غير أن المعضلات والتحديات لا تزال ماثلة وشاخصة، وتتطلب خطوات أكثر جرأة وحسمًا لتذليل العقبات وإيجاد حلول للأزمات المتراكمة والمتجذرة. وفي سياق هذه الخطوات، شهدت المدن السورية مؤخرًا ما يعرف بـ "جلسات الحوار الوطني"، والتي، على الرغم من الانتقادات الموجهة إليها، تظل ضرورية كمحطة على طريق الوصول إلى مؤتمر شامل للحوار الوطني، يرنو إلى تشكيل حكومة تمثل كافة أطياف الشعب السوري العظيم، وصياغة إعلان دستوري يضفي الشرعية على المرحلة الانتقالية، مع وضع جدول زمني واضح المعالم لتنفيذ العدالة الانتقالية وتحقيق المصالحة الوطنية المنشودة. وفي غمرة هذه التحديات والعقبات، كان لتعليق الاتحاد الأوروبي لبعض العقوبات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل والمصارف، أثر إيجابي مشجع، إذ منح السوريين وميض أمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية المتردية. إلا أن هذه الخطوة تظل محدودة الأثر، نظرًا لأن العقوبات الأمريكية، ولا سيما تلك المفروضة على البنك المركزي السوري، هي الأشد وطأة وإيلامًا، إذ تعزل الاقتصاد السوري عن النظام المصرفي العالمي (سويفت)، مما يحد من قدرة البلاد على اجتذاب الاستثمارات أو تحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي وملموس. ويبدو أن واشنطن اليوم هي اللاعب الأكثر تأثيرًا في مستقبل سوريا، إذ تتحكم في مسارات متعددة، من بينها تخفيف العقوبات، ودعم الحكومة السورية سياسيًا، والتوصل إلى حلول بشأن الوضع الحساس في شمال البلاد. وفي هذا المنحى، تكتسب زيارة الرئيس الأمريكي ترمب المرتقبة إلى المنطقة أهمية خاصة، حيث يعلق السوريون آمالًا عريضة على أن تتمكن إدارة السيد أحمد الشرع من تحقيق تفاهمات جوهرية مع الإدارة الأمريكية. وعلى صعيد آخر، اضطلعت المملكة العربية السعودية بدور استثنائي ومحوري في تيسير قنوات التواصل بين الحكومة السورية الجديدة والقوى الدولية الفاعلة، مما عزز فرص الوصول إلى حلول مستدامة للأزمة السورية المستعصية. ويبقى الأمل معقودًا على أن تكلل هذه الجهود بالنجاح المنشود، وأن يشهد السوريون قريبًا تباشير انفراج حقيقي وواقعي، ينهي سنوات المعاناة الطويلة ويعيد للبلاد عافيتها وازدهارها واستقرارها المفقود.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة